فصل: مسألة أوصى فقال لفلان من ثلثي عشرة دنانير ولفلان ثلثي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة يوصي بثلث ماله للفقراء والمساكين:

قال وسمعته يسأل ابن غانم عن الرجل يوصي بثلث ماله للفقراء والمساكين، وله مال ودار ومنزل، فيقول أهل الميراث: نريد أن نقوم ذلك قيمة، فنحسب عليها ثمن الدار والمنزل، فإن لنا أعداء، وقد علموا ألا نترك دارنا ومنزلنا، فهم سيزيدون عليها ضررا بنا، فقال: اكتب إليه إنما أوصى لهم بثلث ماله، فانقطع لهم بثلث ماله ذلك كله ثلث الدار، وثلث المكان، وثلث كل شيء، ولا يباع ذلك عليهم ولا يقام، وزاد في الكتاب الذي فيه الوصايا والحج والزكاة، قال مالك: لأنهم نزلوا بمنزلة الشركاء في تلك الدار والمنزل، وليس يكون بين الشركاء في الدور والأرضين أمد يجبرون عليه للاقتسام.
قال محمد بن رشد: أنزل مالك في هذه الرواية الموصى لهم بثلث من الفقراء والمساكين بمنزلة الأشراك في جميع مال الميت، فرأى من حقهم أن يقسموا ما ينقسم فيبيعوا نصيبهم منه مقسوما إن دعوا إلى ذلك، وزعموا أن ذلك أوفر لحظهم، وأن يباع ما لا يقسم، ولا يقوم شيء من ذلك إلا برضاهم. قال ابن القاسم في رسم الجواب من سماع عيسى بعد هذا في الذي يوصي بعتق ووصايا وله مدبرون، فيدعون إلى البيع، ويريد الورثة التقويم، إن حق المدبرين وأهل الوصايا ما دعوا إليه من البيع، يريد: إلا أن يحب الورثة أخذه بما يعطى فيه من الثمن، فيكون ذلك لهم، أو لمن شاء منهم، ولا يكون بمنزلة الأشراك في قسمة ما لا ينقسم من ذلك إن دعوا إلى قسمه، فقالوا: إن بيع حظنا مقسوما أوفر لنا، وروى ذلك أيضا أصبغ عنه في الرسم بعينه وقال هو من رأيه: إن التقويم من حق الورثة إذا دعوا إليه وكرهوا البيع، كان ذلك مما ينقسم أو مما لا ينقسم، وهو قول ثالث في المسألة. وروى علي بن زناد عن مالك أنه ينظر إلى الأرفق بالمساكين، من المقاسمة أو البيع في المزايدة فيفعل ذلك، وهو قول رابع في المسألة. وقال محمد بن المواز: أما إن كانت وصيته فيما لا ينقسم مع غيره كالمدبر والوصية بالعتق أو بعبد أو بشيء بعينه، فالقيمة أعدل بينهم وبين الورثة، وإن كان ما قال ابن القاسم أقيس. قال: وأما إن أوصى بثلثه، فالقسم أولى من القيمة ومن البيع، ويقسم ما ينقسم، وأما لا ينقسم فالبيع أولى إلا أن يتراضوا على التقويم. وتفرقة ابن المواز هذه حسنة، وهو قول خامس في المسألة. والاختلاف في أنه إذا أوصى بثلثه لرجل بعينه، أنه بمنزلة وارث من الورثة، شريك منهم بالثلث في جميع مال الميت، يكون من حقه أن يقسم ما ينقسم، وأما ما لا ينقسم فمن شاء منهم أن يأخذه بما يعطى فيه، فإن تشاحوا ذلك تقاوموه فيما بينهم. هذا تحصيل القول في هذه المسألة وبالله التوفيق.

.مسألة أوصى بيتاماه إلى رجل وبأخواته إلى رجل:

قال وسمعت مالكا يسأل عن رجل توفى وترك يتامى كان يليهم وترك ولدا له وأخوات، فأوصى بيتاماه إلى رجل وبأخواته إلى رجل، وسمى للولد إنسانا، وله بنت كبيرة، بنت أربعين سنة أو خمسين سنة، لم يسمها باسمها مع ولده حين سماهم ولم يذكر أموال ولده حين سماهم، حتى إذا كان في آخر الوصية قال: وأموال ولدي كلهم إلى فلان، يعني الرجل الذي أوصى إليه بولده الذين سماهم، فقالت البنت: أنا الآن في ولايته أم لا؟ فقال: إن كانت أهلا لأن تلي نفسها فذلك إليها، تعطى مالها ويكون بيدها، وإن كانت على غير ذلك، كان مالها بيد الموصى إليه... ورب بنت خمسين سنة، لا تلي نفسها. وأما وصيته بيتاماه إلى رجل، فذلك إذا أراد الخير.
قال محمد بن رشد: قوله: وترك يتامى كان يليهم، معناه: بإيصاء أبيهم بهم إليه، وكذلك قوله في أخواته، معناه: أنهن إلى نظره بإيصاء أبيهن بهن إليه، ولذلك أعمل إيصاؤه على يتاماه وأخواته؛ لأن للموصي أن يوصي بما أوصى به إليه في حياته وبعد وفاته، لا خلاف أحفظه في ذلك، ولم يبين في قوله: وله بنت كبيرة بنت أربعين سنة أو خمسين إن كانت بكرا معنسا لم تتزوج، أو قد تزوجت ودخل بها زوجها. وجوابه محتمل للوجهين جميعا؛ لأنه أعمل قول الأب: وأموال ولدي كلهم إلى فلان، فرآها بذلك ممن قصد الأب إلى الإيصاء عليها مع سائر إخوتها فقال: إنها إن كانت أهلا أن تلي نفسها، فلا ينفذ عليها إيصاء الأب، وإن لم تكن إهلا أن تلي نفسها، نفذ عليها ذلك. هذا معنى قوله. ولم يتكلم على ما يحمل عليه إن جعل مما لها فإن كان تكلم على أنها بكر معنس، فإرادته أنه إن جهل حالها لم ينفذ عليها إيصاء الأب بالتعنيس؛ لأنها محمولة على الرشد، ما لم يعلم سفهها على مذهب من رأى أنها تخرج بالتعنيس من ولاية أبيها، ولا يصح أن يكون جوابه على القول بأنها لا تخرج بالتعنيس من ولاية أبيها؛ لأنها على هذا القول في ولاية أبيها وإن علم رشدها، فكيف يصح أن القول إن كانت أهلا أن تلي نفسها لم ينفذ عليها إيصاء أبيها، وإن كان تكلم على أنها قد تزوجت ومضى لها مع زوجها مدة يحكم لها فيها بالرشد، وتكون محمولة عليه ما لم يعلم سفهها على الاختلاف في حد ذلك، فإرادته إن جهل حالها لم ينفذ عليها إيصاء الأب، ولا يصلح أن يكون تكلم على أنه لم يمض لها مع زوجها مدة يحكم لها فيها بالرشد؛ لأنها في هذا الحد في ولاية أبيها وإن علم رشدها فكيف يصح أن يقول: إنها إن كانت أهلا أن تلي نفسها لم ينفذ عليها إيصاء أبيها؟.
هذا بيان هذه المسألة وهي من المسائل المشكلة وبالله التوفيق.

.مسألة زوج ابنته ابن أخيه فولدت منه أولادا فلما حضرته الوفاة أوصى لولد بنته بوصية:

وسئل عمن زوج ابنته ابن أخيه، فولدت منه أولادا، فلما حضرته الوفاة أوصى لولد بنته بوصية، وأوصى لهم بما أوصى به إلى امرأته، فأراد أبوهم أن يأخذ ذلك لهم وهو عدل، فقال: لا أرى ذلك له وأرى ذلك إلى من أوصى إليه به الميت؛ لأنه لما أراد أن يكون ذلك على يدها لتجمع ذلك لهم، وتنظر فيه لهم، فأرى ذلك إلى من أوصى به إليهم.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إنه ليس للأب أن يأخذ ما أوصى لهم به جدهم للأم؛ لأنه إنما أوصى لهم به على أن يكون لهم بيد امرأته، وهي أحق بماله وبالشرط فيه. وأما إيصاؤه بهم إلى امرأة، فلا يجوز ذلك عليهم ولا على أبيهم؛ لأنهم في ولاية أبيهم، ولا حق للجد في الإيصاء بهم إلى غيره. والله الموفق.

.مسألة أوصى بحوائط له على مواليه وأولادهم وأولاد أولادهم يأكلون ثمرتها:

وسئل عن رجل أوصى بحوائط له على مواليه وأولادهم وأولاد أولادهم يأكلون ثمرتها، لكل إنسان منهم أربعون صاعا، وأوصى بذلك إلى رجل، فأراد الوصي أن يبتاع لهم من ثمر الحائط رقيقا للحائط يعملون فيه ويقومون، ليكون ذلك أعدل فيما بينهم وبين الورثة، فأبى ذلك الموالي وكرهوه، قال: ليس ذلك لهم، لكن أرى أن لا يشتري ذلك لهم في عام واحد، فيقطع بهم، وأرى أن يبدأ بذلك، فيشتري بعضهم في ثمرة، وبعضهم في ثمرة أخرى ولا يشتري لهم ذلك كله من ثمرة واحدة، فهذا الذي أرى. محمد بن رشد: هذا بيّن على ما قاله؛ لأن ذلك إذا كان من النظر لهم، فمن الرفق بهم ألا يشتري ذلك من فضلة عام واحد، فيضيق بذلك عليهم. وبالله التوفيق:

.مسألة أوصى وهو بالمدينة بمال له في سبيل الله فهل يعطى منه الحجاج:

وسئل عن رجل أوصى وهو بالمدينة بمال له في سبيل الله فقدم قوم من أهل المصيصة المدينة حجاجا منصرفهم من حجهم منقطعا بهم لا يقدرون على شيء يتحملون به، أيعطون من ذلك شيئا في سبيل الله؟ فقال: لا أرى أن يعطوا منه شيئا هم اليوم أبناء سبيل، ولم يوص الميت لابن السبيل بشيء، وإنما أوصى به في سبيل الله فليسوا اليوم من أهل سبيل الله، وإنما هم أبناء سبيل فلا أرى لهم فيه شيئا ولا أرى أن يعطوا منه شيئا، ولكن أرى أن يعطى من أهل المدينة من يخرج غازيا، أو يبعث به إليهم، فيعطوا في سبيل الله، فقيل له: إن منازل هؤلاء القوم هناك، وهم من أهل الغزو، إلا أنهم قد انقطع بهم ها هنا، فليس في أيديهم ما يتحملون به، فقال: لا أرى أن يعطوا منه شيئا؛ لأنهم أبناء سبيل، وليسوا بغزاة، وإنما يحتملون به إلى أهلهم، ثم إن بدا لهم غزوا، وإن شاءوا لم يغزوا فلا أرى أن يعطوا منه شيئا؛ لأنهم أبناء سبيل، وليس لابن سبيل فيه حق، وإنما أوصى به في سبيل الله، فهؤلاء أبناء سبيل، فلا أرى فيه شيئا.
محمد بن رشد: هذا كله كما قال: إن أهل المصيصة وإن كانوا من أهل الغزو، فليسوا بغزاة في رجوعهم من حجهم، فلا يصح أن يعطوا من المال الذي يوصى به في سبيل الله، وإن انقطع بهم في ذلك؛ لأنهم أبناء سبيل، ولو كان انقطع بهم في رجوعهم من غزوهم لا من حجهم، لجاز أن يعطوا منه على ما حكى ابن حبيب في الواضحة من أن من أعطي شيئا في سبيل الله، فله أن ينفق منه في غزوه في مسيره وقفله، خلاف ما في رسم الوضوء والجهاد من سماع أشهب من كتاب الجهاد، إنه لا يعطى من المال المسبل في سبيل الله لمن انقضى رباطه، وانقطع به في قفوله إلى أهله، وأجاز في هذه الرواية أن يعطى المال المجعول في سبيل الله لمن يخرج به غازيا أن يبعث به إلى من يقسمه في الثغور خير في ذلك بين الأمرين، واستحب في سماع ابن القاسم من كتاب الجهاد أن يعطى بالبلد إن وجد من يغزو منه، ولا يبعث به إلى الثغور مخافة أن يبعث به إلى هناك فيضيع، على ما قاله في رسم طلب منه. قال ابن المواز: إنما يعطيه لمن قد عزم، لا لمن لا يخرج إلا بما يعطى. وقوله يحمل على التفسير لقول مالك؛ لأن من لم يعزم على الخروج إذا أعطي على أن يخرج، لعله يأخذ المال ولا يخرج. ومن معنى هذه المسألة ما في رسم البز من سماع ابن القاسم من كتاب البضائع والولاكات.
وقد مضى الكلام عليها وبالله التوفيق.

.مسألة يوصي لابن السبيل فيجد اليهودي والنصراني منقطعا بهما:

وسئل عن الذي يوصي بالوصية لابن السبيل، فيجد اليهودي والنصراني منقطعا بهما، أيكون لهما في ذلك شيء؟ قال لا ليس لهما من ذلك شيء، إنما يراد بهذه الأشياء أهل الإسلام، وليس يراد بذلك النصارى ولا اليهود ولا عبدة الأوثان، ليس يراد بهذه الأمور إلا أهل الإسلام، أتراه أراد بهذا المجوس أو عبدة الأوثان؟ وإنما يكون مثل هذا للفقراء والمساكين وابن السبيل من أهل الإسلام، ليس من أهل الشرك والكفر.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأن الوصية لأهل الكفر مكروهة، حسبما ما مضى بيانه مستوفى في رسم ندرسه من سماع ابن القاسم، فلا يصح أن تحمل وصيته إلا على ما يستحب لا على ما يكره. وبالله التوفيق.

.مسألة أوصى إلى أخيه وإلى غلام له فأرادت امرأته بيع الغلام:

وسئل عن رجل أوصى إلى أخيه وإلى غلام له، فأرادت امرأته بيع الغلام، وقالت: ثمنه ثلاثة آلاف دينار، أفترى الوصية إليه جائزة؟ فقال: نعم، الوصية إليه جائزة، وذلك على ما قال الميت، وليس الأمر على ما قالت المرأة، وأرى أن تخرج به إلى السوق، فيقام قيمته، ثم يستخلص لمن يلي حق الورثة من ميراثهم، فيعطوا المرأة ثمنها منه بمنزلة ما لو أوصى بعتقه، إنما هو كمن اشترى لهم، فأرى هذا أولى ولا ينظر إلى ما تقول المرأة، ويعطى من أموال الذين يليهم ما يقام عليهم في السوق قيمة عدل، وتمضي وصيته، ويجوز ما أوصى به سيده. قلت له: إنه قد وقعت فيه بعد ذلك مواريث غير واحدة، فقال: إن الوصية له ماضية على ما أوصى به الميت، وليس بأول عبد أوصى إليه سيده، فجاز ذلك، قد ارتضاه سيده وأوصى إليه، وقد أوصى غير واحد إلى عبده وغيره لم يجد في ذلك خيرا منهم، فأرى ذلك جائزا ويقام قيمته على من يلي، فتعطى المرأة من ذلك ثمنها، بمنزلة ما لو أعتقه، وكأنه اشتراه لهم. قال أشهب: وسألت الليث عن ذلك فقال لي: وصية جائزة، ويقام قيمته على من يلي من الورثة، فيستخلص لهم، وتعطى المرأة من قيمته ومن كان بمنزلتها ممن لا ولاية للعبد عليه ووصيته جائزة.
قال محمد بن رشد: قول الليث بن سعد مثل قول مالك، وما قالاه جميعا صحيح على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة، ومعنى ما فيها من إرادته أن وصية الرجل بولده إلى عبده جائزة، فإن كان فيهم أكابر، نظر للأصاغر في الأيام التي لهم، إلا أن يدعو الأكابر إلى البيع، فإن دعوا إليه قوم حظهم على الأصاغر، إلا أن يكون عليهم في ذلك ضرر ولا يكون لهم مال، فيبيع الكبار حظهم، ويبقى نصيب الصغار لهم، ينظر لهم في الأيام التي لهم، إلا أن يكون على الكبار في ذلك ضرر، فيلزم الأصاغر البيع مع إخوتهم الأكابر، وتنفسخ الوصية لأن الموصي إنما أراد أن يكون ناظرا لهم ما كان عندهم، واستحسن أصبغ إن كان المشتري في موضع اليتامى مقيما به أن يبقى على إبقائه، ومعنى ذلك عندي: إذا رضي بذلك المشتري، وقال سحنون في المجموعة: إنما يكون العبد ناظرا للصغار، إذا كانوا كلهم سواء فيما يتكلف لهم العبد، فيكون على قدر مواريثهم منه، وقوله صحيح، إذ قد يكون لأحدهم دون إخوته المال الكثير، قد ورثه عن أمه، فيحتاج فيه إلى نظر زائد على إخوته. قال سحنون: وإن كان فيهم كبير فهي وصية لوارث، فإن أجازها الكبار وإلا بطلت. وقول عبد الملك أصح، إذا قلنا: إنه إنما ينظر للأصاغر في الأيام التي لهم. وقال ابن كنانة: إن أجاز الكبار أن يلي، ولا يشغله عنها جاز ذلك، وإلا اشتري للأصاغر حظ الأكابر. قال أشهب: وإذا استخلص الأصاغر لسعة مالهم، فكل من بلغ، يريد وملك أمره اشترى حظه لمن بقي، حتى يكون آخر ذلك لمن بقي مضرة بهم، لكثرة ثمنه، وقلة مالهم من منفعته، فلا يقوم عليهم، ويبقى بينهم. فإذا شاء الكبار البيع، بيع كله، وأقام لهم الإمام غيره. وقال أشهب: وإن أوصى إلى مكاتبه فذلك جائز، وليس فيه تقويم على من تولى إلا أن يعجز. قال في المجموعة: وإن أوصى إلى أم ولده، أو مدبرة أو عبد له، أو معتق بعضه، أو معتق إلى أجل، فذلك جائز. قال سحنون: أما المعتق إلى أجل، فلا يجوز، إلا أن يرضى الأكابر؛ لأنه يستقل عن خدمتهم. وقال أشهب في المجموعة: وإذا أوصى إلى عبد غيره فذلك جائز إن أجازه السيد، ثم ليس له بعد رجوع إلا لعذر من بيع أو سفر، أو لعلة منه أو من العبد. إلى غير الموضع الذي الورثة فيه، فيقيم لهم الإمام غيره. وبالله التوفيق.

.مسألة أوصى لرجلين بعشرة دنانير:

قال وسمعت مالكا يسأل عن رجل أوصى لرجلين بعشرة دنانير، لكل واحد منهما في كل سنة حياتهما من ثمر ما له، فلما كان عام الأول، أصاب الثمار الذي أصابها، فلم تبلغ الثمرة ما أوصى لهما به، وقد كان في وصيته فإن نقصا تحاصا، فلما كان العام جاء الثمر بفضل كثير، فأراد أن يأخذ من غلة العام ما نقص من وصيتهما في غلة عام أول، فذلك لهما؟ فقال: نعم ذلك لهما.
قال محمد بن رشد: هذا مثل ما مضى في صدر الرسم، وقد تقدم الكلام عليه فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.

.مسألة أوصى لرجل بعبد آبق فأتي به بجعل:

قال: وسمعته يسأل عمن توفي وأوصى لرجل بعبد آبق، أو جمل شارد، فأتي به بجعل، على من ترى ذلك الجعل؟ قال: على الذي أوصي له بالعبد، وليس ذلك على ورثة الميت في مال الميت؛ لأن هذا عليه ليس على الورثة أن يطلبوه، وإنما ذلك بمنزلة أن يوصي له بوسق من غلته بخيبر، فيقول: احملوه إلى المدينة، فلا يكون ذلك له، وعليه أن يأخذ ذلك بموضعه الذي هو به يوم أوصى له به، فعليه أن يأخذ ذلك... وأن يطلب الجمل الشارد، أو العبد الآبق. وليس على الورثة أن يطلبوه، فقيل له: إن جاء به إلى المدينة وليس فيه جعل، أيكون ذلك على الورثة في مال الميت أم على الموصى له؟ فقال: بل على الموصي له. فقيل له: أرأيت إن أوصى الرجل للرجل بعبده، على من ترى أن يأتي به؟ فقال: ذلك على الموصى له، يذهب يأخذه حيث هو، قيل له: إن الورثة يقولون: لابد لنا أن نقومه ها هنا حتى يقيمه، فقال: أما إذا كان ذلك بالموضع الذي هو له فيه قيمة، يرغب به مثل رقيق المال، فإن ذلك إنما يقام بموضعه الذي هو به، وعلى الموصى له أن يذهب حيث يأخذه، وأما ما كان من ذلك بموضع لا قيمة فيه، ثم أراد الورثة إقدامه ليقيموه، فأرى ذلك عليهم حتى يقيموه ثم يقبضه الموصى له به، وليس كل الوصية تقام، إنما يقام منها ما يخاف أن يكون أكثر من الثلث.
محمد بن رشد: هذا كما قال إنه إذا أوصى لرجل بعبده الآبق، أو بجمله الشارد، فإن على الموصى له طلب العبد الآبق، والجمل الشارد، وأخذ العبد الغائب بموضعه الذي هو به، وليس على الورثة جلبه إلى الموصى له، إلا أن يحتاجوا إلى تقويمه ولا يكون له قيمة بموضعه الذي هو به، فعليهم أن يجلبوه ليقيموه، يريد: من بقية الثلث، فهو معنى قوله: فأرى ذلك عليهم حتى يقيموه، ثم يقبضه الموصى له، فإن لم يكن في الثلث فضل عن قيمة العبد، أخرج ما يلزم في ثلثه من رأس مال الميت، ثم يخير الورثة بين أن يجيزوا الوصية بالعبد للموصى له به، وبين أن يقطعوا له بثلث الميت في العبد أو شائعا في جميع مال الميت، على اختلاف قول مالك في هذا في كتاب الوصايا الثاني من المدونة. فهذا الذي يأتي في هذه المسألة على ما بيناه من قول مالك في آخر رسم الأقضية الثاني من سماع أشهب في الذي يوصي لرجل بثلاثين دينارا، ولرجل بثلث الثلث، والمال دين على الناس، فاستأجر الموصى عليه على تقاضي ذلك الدين بعشرة دنانير، إنما يكون فيها فضل من الثلث إن كان فيه فضل حسبما بيناه هناك، وكذلك لو أوصى الميت بجلب العبد الغائب، فيعطاه الموصى له به من موضعه الذي هو به، إذ ليس أكثر من ثلث، بخلاف الذي يقول: ثلث ما لي هو لي إن فعلت كذا وكذا، فيفعله، إن عليه النفقة من غير الثلث حتى يبلغه، كالذي يجب عليه صدقة شيء من ماله بنذر أو حنث ببلد ليس فيه مساكين، إنه يلزمه أن يحمله من ماله إلى موضع فيه المساكين، ولو وجبت عليه الصدقة من الزكاة في موضع ليس فيه مساكين، لم يجب عليه أن يحملها من ماله إلى موضع يجد فيه مساكين.
وقد مضى بيان هذا كله، في رسم نقدها من سماع عيسى من كتاب النذور، وفي رسم العشر من سماع عيسى من كتاب زكاة الحبوب. وبالله التوفيق.

.مسألة العبد يكون له أخ حر فيوصي له بدراهم فيطلبها من الوصي:

وسمعته يسأل، فقيل له: إنه كان لي أخ حر، وأنا مملوك فلما حضرته الوفاة، أوصى لي بدراهم، فطلبتها من الوصي، فأبى أن يعطينيها، وخاف أن أفسدها فدفعها إلى مولاي فكساني منها، ثم سألته أن يعطيني بقية الدراهم، فأبى، فذهبت إلى الذي دفعها إليه، فلقيه في ذلك، فقال: ما انتزعتها منه، ولا أدفعها إليه، فلم تزل في يديه حتى باعني ممن أعتقني، فصرت حرا، فطلبتها منه الآن فأبى إعطاءها إياي، فقال: إن كان نزعها منك وأنت مملوك فذلك له، وليس ذلك بحسن، وإن لم يكن نزعها منك فأراها لك:
قال محمد بن رشد: هذا بيِّن على ما قاله؛ لأن السيد ينتزع مال عبده، بدليل قول النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ: «من باع عبدا وله مال فماله للبائع، إلا أن يشترطه المبتاع». وقد بين في هذه المسألة أنه لم ينتزعها منه حتى أعتقه، بدليل قوله: ما نزعتها منه ولا أدفعها إليه، فيلزمه أن يدفعها إليه بعد عتقه، ولأن مال العبد في العتق تبع له، بخلاف البيع. وبالله التوفيق.

.مسألة أوصى فقال لفلان من ثلثي عشرة دنانير ولفلان ثلثي:

قال أشهب: وكتبت إليه أسأله عمن أوصى فقال: لفلان من ثلثي عشرة دنانير، ولفلان ثلثي، أو قال: لفلان ثلثي، ولفلان منه عشرة دنانير، أو قال لفلان ثلثي، ولفلان عشرة دنانير، لم يسمها من الثلث، فكتب إلي يقول: سواء قال لفلان عشرة دنانير من ثلثي، ولفلان ثلثي، أو قال: لفلان ثلثي، ولفلان منه عشرة دنانير، هو سواء، يبدأ صاحب العشرة، ثم يكون ما بقي من الثلث للذي أوصى له بالثلث؛ لأنه انتزع منه العشرة الدنانير التي سماها للرجل، ولكن إن قال: لفلان ثلثي، ولفلان عشرة دنانير، ولم يقل من الثلث، فإنهما يتحاصان، يحاص الذي أوصى له بالعشرة دنانير، ويحاص الذي أوصى له بالثلث، فما بلغ الثلث يتحاصان هكذا في ثلث مال الموصي.
قال محمد بن رشد: لا اختلاف إذا قال: لفلان ثلثي ولفلان منه عشرة دنانير أن العشرة تبدأ على الثلث، وكذلك إذا قال: لفلان من ثلثي عشرة دنانير ولفلان ثلثي والأول أبين إذا أخر من. وأما إذا لم يأت بـ من أولا ولا آخرا، فاختلف قول مالك في ذلك على ثلاثة أقوال: أحدها: قوله: هذا، ومثله في رسم الكبش من سماع يحيى، وهو المشهور أنهما يتحاصان. وقد روي عنه أن القسمة تبدأ على الجزء. وروي عنه أن الجزء يبدأ.
وقد مضى هذا كله في رسم اغتسل من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته. وبالله التوفيق.

.مسألة الذي يتصدق بعبد له على رجل أو يوصي له بوصية أيتبعه ماله:

قال وسمعته يسأل عن الذي يتصدق بعبد له على رجل أو يهبه له لثواب أو لغير ثواب، أو يوصي له بوصية أيتبعه ماله؟ قال: لا يتبعه ماله، وأرى ذلك كله بيعا؛ لقول عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: من باع عبدا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع. قال مالك: لا يتبع العبد ماله في ذلك كله، إلا أن يعتق فيتبعه ماله. فأما إن كانت له الكسوة أو الشيء اليسير، مثل ذلك، فإني لا أرى له أخذ ذلك في الصدقة قال سحنون هي جيدة خير من رواية ابن القاسم.
قال محمد بن رشد: اختلف قول مالك في مال العبد الموصى به لرجل، فمرة قال: إنه للموصى به قياسا على العتق، بخلاف البيع، ومرة قال: إنه لورثة الموصي قياسا على البيع، بخلاف العتق.
وقد مضى القول على هذا في رسم البز من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته. وقوله في هذه الرواية: إن الكسوة والشيء اليسير ليس لسيد العبد أن يأخذه، يريد: لا في الوصية ولا في البيع، وبشبهه من الهبة والصدقة، هو مثل ما في رسم الوضوء والجهاد من سماع أشهب من كتاب الجهاد. وقد مضى القول على ذلك هنالك وقلنا فيه: إنه أصح مما في رسم إن خرجت من سماع عيسى من كتاب التجارة إلى أرض الحرب؛ لأن ظاهر الرواية أن يكون للمبتاع ما كان من هيأتها ولباسها وإن كان كثيرا، وهو بعيد وبالله التوفيق.

.مسألة المولى عليه يكسب مالا بيده أينتزع منه:

وسمعته يسأل عن المولى عليه يكسب مالا بيده، أينتزع منه؟ فقال: هو مثل ما ورث، فقيل له: هو اكتسبه وسعى فيه، فقال: رب رمية من غير رام.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأنه قد صار ماله، وإن كان من كسبه، فلا يترك له لئلا يتلفه، لقول الله عز وجل: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} [النساء: 5] الآية.

.مسألة أوصى لها بولدها منه فأراد بعض ولدها القسمة:

وسئل فقيل: إن زوجي أوصى إلي بولدي منه، فأراد بعض ولدي القسمة، فقال لها: ما ترك زوجك من المال؟ فقالت: ثلاثة أرؤس ومكاتبا، فقال لها: أما المكاتب، فدعيه كما هو بينهم، وأما ما بقي فخذي منه ثمنك ثم اقسمي ما بقي بينهم، فقالت: أبأمر السلطان؟ فقال: لا، ولكن بأمر العدول.
قال محمد بن رشد: ظاهر قوله في هذه الرواية، إنه أجاز للأم الوصية أن تأخذ ثمنها مما يخلف زوجها، وأن تقسم الباقي بين بنيها بأمر العدول دون السلطان، والمسألتان مفترقتان، أما قسمتها على بنيها وأخذها ثمنها، فالمشهور المعلوم أن ذلك لا يجوز إلا بأمر السلطان، فإن قاسمت لنفسها عليهم، لم تجز القسمة، وكانت منتقضة، إلا أن يجيزها السلطان، وإن كان سدادا يوم القسمة إذا لم يكن اليوم سداد، وقد قيل: إنها تجوز إذا علم السداد والنظر فيها لهم، وهو قوله في هذه الرواية؛ لأنه أجاز أن تأخذ لنفسها ثمنها بأمر العدول؛ لأنه إنما اشترط العدول في ذلك، ليعرفوا السداد ويشهدوا به، وأما قسمتها مال بنيها فيما بينهم، فإنها جائزة، إذا عرف السداد فيها، وهو مذهبه في هذه الرواية ومعنى ما وقع في كتاب القسمة من المدونة من أن الوصي لا يقسم مال الأيتام فيما بينهم إلا بأمر السلطان. وقيل: إن فعله في ذلك محمول على السداد حتى يثبت خلافه، وهو الذي يأتي على ما في كتاب الرهون من المدونة لأنه أجاز فيه للوصي أن يشتري لبعض أيتامه من بعض، وإذا أجاز شراءه من بعضهم لبعض، فأحرى أن يجيز قسمته فيما بينهم؛ لأن القسمة بيع من البيوع، وقيل: إنها تمييز حق، وعلى ما في كتاب الرهون من المدونة يأتي ما لمالك في رسم الطلاق من هذا السماع بعد هذا خلاف قوله في هذه الرواية، فتدبر ذلك وبالله التوفيق.

.مسألة لا يجوز للوصي أن يشتري بالدين على أيتامه:

قال: وسأله ابن كنانة فقال له: إن رجلا كان يلي يتامى في حجره، فاشترى حائطا، ذكر حين اشتراه أنه إنما اشتراه لأيتامه بثمن قمح إلى أجل معلومة، فأقام الحائط في يديه زمانا يستغله للأيتام كل سنة، معلوما ذلك عند الناس، حتى اجتمع لهم في يده من غلة ذلك الحائط مال كثير، ثم خيف على وليهم الإعدام، أفترى لبائع الحائط في مال الأيتام حقا؟ فقال له: هذا مثل الذي يشتري بالدين ويقول: إنما اشتريته لأيتامي هؤلاء. فلا يلزمهم ذلك، فقال له ابن كنانة: إن الحائط الذي اشترى من البائع قائم بعينه في أيدي الأيتام، وقد اجتمع لهم في يد وليهم من غلته مال كثير، فيرجع البائع على ماله حيث وجده، أم على المشتري لولي الأيتام؟ فقال له: أليس كتاب الدين على اسمه؟ فقال: بلى، فقال: ما أرى أن يتبعهم الآن ولكن يبدأ هو به فيتبعه بذلك، فإنه الذي لا شك فيه، ولا يتبعهم بذلك، فقيل له: إن ذلك أبغضها إلى البائع، فقال: ذلك الذي أرى إلا أن يرفعوا ذلك إلى القاضي، فيكشف عن ذلك، ويسأل عنه كله، وينظر فيه، فأما ولي الأيتام فليتبعه البائع.
محمد بن رشد: لا يجوز للوصي أن يشتري بالدين على أيتامه، لوجهين: أحدهما: أنه قد يهلك ما اشتراه لهم بالدين، فيطلبون بالثمن عند حلوله، وتباع عليهم فيها أموالهم إن كانت لهم أموال أو تتبع بها ذمتهم إن لم تكن لهم أموال. والوجه الثاني: أن ما يشترى بالدين يزاد فيه على القيمة، ولا يجوز أن يشترى لليتامى شيء بأكثر من قيمته، فإن فعل، نظر السلطان في ذلك، فإن رأى أن يمضيه على اليتيم أمضاه عليه، وإلا رده، على ما قال في الرواية، فإن رده ولم يمضه على اليتيم لزم الوصي، ولم يكن له أن يرده، إلا أن يكون البائع. قد صدقه فيما زعم من أنه إنما اشتراه ليتيمه، وباعه على ذلك بتصريح وإقرار، فلا يلزم الوصي الشراء إذا رده الإمام على اليتيم على ما وقع لأصبغ في آخر سماعه من كتاب جامع البيوع.
وقد رأيت لابن دحون في هذه المسألة أنه قال فيها: معناه أنه اشتراها لنفسه، ثم أقر أنه اشتراها ليتاماه، فألزمه الثمن، لكنه كتبه على نفسه، ثم ينظر بعد ذلك فيه اليتيم، يريد ابن دحون أنه لو اشتراه من أول لأيتامه، فرد الإمام البيع عنهم، ولم يمضه عليهم، لن يلزم ذلك الوصي، وانتقض البيع فيما بينه وبين البائع، وليس ذلك بصحيح، بل يلزم الوصي الشراء في الوجهين جميعا لنفسه، إذا رد الإمام البيع عن أيتامه، إلا أن يكون البائع قد صدقه فيما زعم من أنه يشتريه لأيتامه وباعه على ذلك بتصريح وإقرار، على ما ذكرناه عن أصبغ. وبالله التوفيق.